- أحمد بن عبدالله بن خميس الرئيسي،باحث مساعد
- مركز الدراسات والبحوث البيئية.
يُقدَّر الإنتاج العالمي من حمأة الصرف الصحي الجافة بحوالي 45 مليون طن، وتُصرف هذه الكمية معظمها في مدافن النفايات، مما يؤدي إلى مشاكل بيئية خطيرة تشمل: تلوث التربة، وتلوث المياه؛ ولهذا عدّت الإدارة المستدامة الحمأة تحديًا مهمًا في جميع أنحاء العالم، ونظرًا لثرائها بالمواد العضوية؛ يمكن استخدام حمأة الصرف الصحي في الزراعة كسماد أو كمحسن للتربة؛ لكن وجود المعادن الثقيلة والجسيمات البلاستيكية الدقيقة ومسببات الأمراض قد يحد من هذا التثمين الزراعي، علاوة على ذلك قد تحتوي حمأة الصرف الصحي على مسببات الأمراض مثل: القولونيات البرازية، والسالمونيلا، والفيروسات، والفطريات، هذه الكائنات الحية الدقيقة تشكل خطرا على صحة الإنسان والبيئة. وعليه يجب التعامل مع حمأة مياه الصرف الصحي بحذر شديد.
تنتج عمان كميات هائلة من حمأة مياه الصرف الصحي التي تخرج من محطات معالجة مياه الصرف الصحي الحضرية والصناعية. يُحتفظ بالكميات معظمها في مواقع الإنتاج أو التخلص منها في مكبات النفايات، وتواجه عمان مجموعة تحديات بيئية متعلقة بإدارة حمأة الصرف الصحي. في الوقت نفسه، تنتج صناعات النسيج كميات هائلة من المياه الملوثة الغنية بالصبغات والمعادن الأخر. تعد الإدارة المستدامة لهذه النفايات السائلة أولوية في عُمان لتجنب الآثار السلبية على البيئة وصحة الإنسان.
ونظرًا لخصائصها الفيزيائية والكيميائية، وإمكان تحويلها إلى مادة نافعة وماصة للعديد من الملوثات العضوية والمعدنية بما في ذلك الصبغات؛ بَحَثَ واختبر فريقُ بحثٍ علمي من جامعة السلطان قابوس استراتيجية مبتكرة تستند على الإدارة اللامركزية لحمأة الصرف الصحي ومياه الصرف النسيجية.
يتماشى النهج المقترح في هذه الدراسة مع أهداف رؤية عمان 2040 للوصول إلى بيئة تحقق التوازن بين المتطلبات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والعمل بقواعد التنمية المستدامة، ويلبي متطلبات المبادرات الوطنية والدولية الأخر مثل: أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ومبادرات مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؛ مما يعزز استراتيجيات التنمية المستدامة في عمان والاقتصاد الدائري والحفاظ على البيئة.
سعت الدراسة لاستخدام حمأة الصرف الصحي لمعالجة النفايات السائلة بشكل فعال، ومن ثم يمكن تجديد هذه المادة لاستخدامها مرة أخرى كمادة ماصة، إذ أنه يمكن تحويل الحمأة إلى مادة ذات قيمة مضافة عالية لمعالجة المخلفات السائلة الأخر الناتجة من الصناعات النسيجية. ويمكن كذلك تجديد هذه المادة باستخدام نفايات سائلة أُخر (محاليل ملحية) وإعادة استخدامها مرة أخرى في دورة امتزاز (استجذاب) جديدة. إضافةً إلى ذلك، يمكن استرداد الصبغات من محلول الإزالة وإعادة استخدامها في مصانع النسيج، ويمكن أيضًا معالجة ما تبقى من محلول الإزالة باستخدام عملية الأكسدة المتقدمة وإعادة استخدامه في نفس الصناعة كمصدر إضافي للمياه. يتيح المنهج المقترح الإدارة المستدامة لكل من الحمأة الصناعية ومخلفات صناعة النسيج، ويعزز مفهوم الاقتصاد الدائري.
- المنهج العلمي وآليات التطبيق:
بمجموعة من الخطوات دُرس دور حمأة مياه الصرف الصحي في معالجة مياه الصرف الناتجة عن مصانع النسيج.
أولا: جُمعت الحمأة من إحدى المناطق الصناعية في عُمان، و تجفيفها هوائيا لمدة أسبوع، ثم طحنها قبل الاستخدام وتوصيفها بعمق.
ثانيا: أُجريت تجارب لفحص كفاءة إزالة أزرق الميثيلين (وهو مادة تستخدم كدواء ويستخدم أيضا كصبغة) بواسطة الحمأة، وذلك على النحو الآتي:
• إجراء تجارب ثابتة تحت ظروف تجريبية مختلفة: الوقت، درجة الحموضة، الجرعة، تركيز أزرق الميثيلين، درجة الحرارة، إلخ...
• إجراء تجارب ديناميكية عن طريق أعمدة مختبرية، في هذه التجارب تُحقن طبقة من الحمأة داخليًا مباشرة بأزرق الميثيلين، ومن خلاله يُقيَّم تأثير عدة عوامل مختلفة: ارتفاع طبقة الحمأة، تركيز أزرق الميثيلين، ومعدلات التدفق.
ثالثا: إجراء تجارب لإزالة أزرق الميثيلين من الحمأة المحملة بالصبغة عن طريق أعمدة مختبرية ومحاليل ملحية.
• خصائص حمأة الصرف الصحي:
تبدو الحمأة كمادة غير متجانسة تحتوي على كميات كبيرة من المواد العضوية المتجمعة على سطحها، مكونة بشكل رئيس من الأكسجين والكربون، وتحتوي أيضًا على نسبة عالية نسبيًا من الحديد (8%) إلى جانب معادن قلوية ترابية أخر.
• امتزاز الصبغة:
أظهرت التجارب الثابتة أن عملية إزالة صبغة أزرق الميثيلين بواسطة حمأة الصرف الصحي سريعة نسبيا؛ لأنها تصل إلى حالة التوازن بعد ثلاث ساعات فقط. أظهرت أيضًا هذه النتائج زيادة امتزاز (الجذب أو الامتصاص) صبغة أزرق الميثيلين مع ارتفاع درجة الحموضة، حيث بلغت أقصى كمية ممتزة 41.1 مم/غ من أزرق الميثيلين عند درجة حموضة 10، وبالمثل زادت كمية الصبغة الممتزة مع زيادة كمية الحمأة المستخدمة، حيث حُصل على معدل إزالة تقريبي وصل 89% عند استخدام جرعة من الحمأة بمقدار 2 غ /لتر فقط، أما فيما يتعلق بتجارب الأعمدة المختبرية، فأبدت الحمأة المستخدمة كفاءة عالية للغاية في إزالة صبغة أزرق الميثيلين. ومن أهم الاستنتاجات التي خلص إليها البحث هي: أن معدل التدفق وارتفاع طبقة الحمأة لهما التأثير الأكبر في كفاءة إزالة أزرق الميثيلين؛ فقد وجد أنه يمكن الحصول على أعلى كمية ممتزة (أكثر من 51 مغ /غ) عند أصغر معدل تدفق.
• إزالة الصبغة من الحمأة:
حُقق إزالة صبغة أزرق الميثيلين من الحمأة بكفاءة عالية باستخدام المحاليل الملحية في الظروف الديناميكية، إذ سمحت هذه العملية الحصول على ذروات تركيز عالية لأزرق الميثيلين (>1.4 جرام/لتر، واسترداد صبغة أزرق الميثيلين في صورة صلبة كذلك.
وأظهرت نتائج التحليل الطيفي للصبغة المسترجعة أن نقاوتها بلغت حوالي 92٪. حيث تُعدُّ النتيجة ذا قيمة مضافة بيئية واقتصادية استثنائية يمكن إعادة استخدام الصبغة المسترجعة مرة أخرى في أنشطة صناعة النسيج.
سمحت عملية استرداد صبغة أزرق الميثيلين كذلك بخفض تركيز الصبغة في محلول الإزالة. واستطعنا أكسدة نحو 98% من الصبغة المتبقية باستخدام تركيز 5 مليمول / لتر من البيرسلفات (persulfate) (|مادة مطهرة) الذي تم تنشيطه باستخدام جرعة منخفضة نسبيًا من مادة نانوية مغناطيسية (nano-magnetite) (1 غ /ل)، ويمكن إعادة استخدام ناتج محلول الإزالة المعالج في مصانع النسيج لتغطية جزء من احتياجاتها من المياه. عُدَّ أمرًا مهما لمصانع النسيج للحد من استهلاك المياه، ويعود بالفائدة على البيئة أيضًا ومُقلِّلًا كمية مياه الصرف الصناعي المنتجة والمُصرَّفة بشكل كبير. من جهةٍ أخرى، يمكن إعادة استخدام الحمأة مرة أخرى في دورة امتزاز أو استجذاب جديدة.
تمكن الفريق البحثي في هذا العمل من تقدير دور حمأة الصرف الصحي واستخدامها كمادة فعالة لإزالة الصبغات النموذجية في مخلفات صناعة النسيج (أزرق الميثيلين)، وتجديد الحمأة بسهولة باستخدام المحاليل الملحية وإعادة استخدامها مرة أخرى في دورات امتزاز أخر؛ أتاحت هذه العملية استرداد صبغة أزرق الميثيلين في صورة صلبة يمكن إعادة استخدامها في العملية الصناعية.
علاوة على ذلك، تمكن الفريق البحثي من خلال العمل التجريبي من أكسدة ما تبقى من صبغة أزرق الميثيلين في محلول الإزالة بشكل كامل باستخدام البيرسلفات وإعادة استخدامه لتغطية احتياجات مصانع النسيج من المياه.
يعد تطبيق منهج الدراسة في قطاع صناعة النسيج مثيرًا للاهتمام من الناحية الاقتصادية ومفيدًا للبيئة. ومع ذلك، هناك حاجة إلى إجراء تحليل دقيق للتكلفة والفائدة لهذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار بالقيود التقنية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية.
والجدير بالذكر أن هذا المشروع البحثي هو جزء من أنشطة الكرسي البحثي بين المؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن" وجامعة السلطان قابوس. وأُجري البحث بواسطة مجموعة من الباحثين هم أ.د عبدالله البادي، ا.د ياسين الشرعبي، د. جمال ناصر الصباحي، دكتور محمد عثمان، د. محمد العبري، الفاضل أحمد الرئيسي، الفاضلة/ ماجدة الحراصي، بأشراف الباحث الرئيس في المشروع الدكتور صالح الجلالي من مركز الدراسات والبحوث البيئية.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أنه نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة المياه ."Water Journal".